Thursday 17 March 2011

النهار 24\1\2011 )عام الصناعة اللبنانية-2011 )

تتمحور هندسة السياسات المالية للحكومات اللبنانية المتعاقبة ، للجم تنامي الدين العام و اعادة هيكلته على تكبير حجم الاقتصاد اللبناني، لتحقيق نسب نمو تفوق نسبة نمو الدين العام و تمهد لاحتوائه.  و قد نجح الاقتصاد اللبناني مبدئيا في تحقيق اهداف هذه الخطة حيث انخفضت نسبة الدين العام الى الناتج القومي من 186% الى حوالي 146% في العام 2009، بفضل النمو الاقتصادي المميز و تستمر الجهود للحفاظ على انخفاض هذه النسبة عاما بعد عام.
الا ان التوقعات الاقتصادية للعام 2010، و 2011 تتوقع تراجع لنسب النمو الى 5-6% لاسباب عديدة منها اقتصادية  ، و منها ما يعود الى الاوضاع السياسية المتأزمة، ما يهدد الانجازات السابقة و قد يؤدي بالاقتصاد اللبناني  الى الدخول مجددا في الحلقة المفرغة لتنامي العجز و الدين العام.  لذا فالمعادلة بسيطة جدا : للحفاظ على الانجازات السابقة، و الاستمرار في تحقيق نسب عالية من النمو سنويا، لا بد و ان يستثمر الاقتصاد اللبناني من جديد في  قطاعات انتاجية ذات قيمة مضافة عالية، و هو التعريف الاساسي للقطاع الصناعي بشكل عام.
حاليا،  تساهم الصناعة اللبنانية بحوالي 14% من الناتج الوطني القائم، 90 % من الصادرات و 30% من العمالة الوطنية، و المطلوب تزايد هذه النسب، لتنعكس مباشرة على حجم الاقتصاد و نسبة البطالة، و تستوعب جزء من الفوائض المالية المتوافرة في القطاع المصرفي متسلة التسليف المربح.  و هنا بالمناسبة اعود الى تصريحات عدة لوزيرة المالية ريا الحسن ، تفيد فيها حرفيا بانه " بالرغم من تحقيق نسب نمو عالية في لبنان في العامين الماضيين، الا ان هذا النمو لم ينعكس مزيدا من فرص العمل للبنانيين" و الاجابة على هذا التساؤل تكمن بان الركائز الاساسية للاقتصاد (القطاع المالي، البناء و المقاولات و السياحة) لا تستوعب عمالة وطنية باعداد كبيرة، باسثناء ربما القطاع السياحي...
 يتهم البعض السياسات الاقتصادية المتعاقبة منذ فترة ما بعد الحرب بتهميش القطاعات الانتاجية في لبنان - الصناعة و الزراعة- و اهمالها، الا ان الحقيقة ان هذه القطاعات لم تكن يوما على قائمة اولويات المسؤولين منذ عهود الاستقلال، و لا زلت اذكر جيدا احد اجتماعات مجلس ادارة جمعية الصناعيين اللبنانيين، حين اخرج رئيس الجمعية آنذاك، معالي الاستاذ فادي عبود قصاصة من الصفحة الرئيسية لصحيفة النهار، تعود للعام 73 او 74، و تصف تحركات مطلبية للصناعيين في ذلك الوقت، احتجاجا على ارتفاع اكلاف الانتاج: المحروقات، الضمان الاجتماعي، رسوم المرفأ، الكهرباء، المناطق الصناعية،... مطالب محقة و مزمنة   لا تزال تعرقل مسيرة الصناعة اللبنانية لغاية يومنا هذا.


و قد يقول قائل ان لا قدرة للدولة على دعم الصناعة في وجه منافسة غير متكافئة مع دول الجوار و قد لا يكون لها المردود الاقتصادي الذي يبرر هذا الدعم ، او ان توقيع لبنان لاتفاقيات التجارة الحرة و الشراكة الاوروبية تمنعه من تقديم اي دعم لقطاع الصناعة او سواها، و الرد على المقولة الاولى ان الدولة تملك طرق كثيرة لدعم الصناعة، و منها لا يكلف الخزينة قرشا واحدا ، بل بحاجة فقط  لتشريعات و قرارت من الوزارات و الدوائر المعنية ، اما بالنسبة للمقولة الثانية، فالمعروف ان جميع اتفاقيات التجارة الحرة  تتضمن في بنودها كثير من الاستثناءات التي تسمح باجراءات حمائية، او بدعم لقطاع معين. اما الامكانات المحدودة، فكلفة دعم الصناعة اللبنانية لعام كامل قد تعادل خسائر شهر من مؤسسة كهرباء لبنان، اما من حيث المردود الاقتصادي فيكفي مثلا قصة نجاح القطاع المصرفي اللبناني الذي لم يكن ليحقق ما حققه حتى الآن لولا دعم و رعاية الدولة الغير محدود له من خلال مصرف لبنان و سياساته و تعميماته الحكيمة.
لذا يأتي خيار دعم الصناعة اللبنانية توجها منطقيا و عاقلا للدولة اللبنانية ان تختبر مدى جدواه، خاصة ان مشروع موازنة 2011  حمل نفحة من الدعم للصناعيين مشروعي عبر اعفاء الصادرات اللبنانية من ضريبة الدخل، و اعفاء الآلات الصناعية من الرسوم الجمرك و المرفأ، و يضاف اليها  القروض المدعومة سواء عن طريق مؤسسة كفالات او عن طريق مصرف لبنان: كلها خطوات غير كافية ، و لكن تشكل بداية جيدة لسياسات اقتصادية  طالما تمنى الصناعيون ان يروها موضع التنفيذ، و صلوا لاستعادة مركز تنمية الصادرات، و ابتهلوا للحصول على طاقة بكلفة معقولة، و اعادة احياء برنامج دعم الصادرات لمؤسسة ايدال، و التخطيط لمناطق صناعية جديدة و حديثة،   و تخفيف الهدر و الفساد الاداري ، و اطلاق مشروع دمج المؤسسات الصناعية، خاصة الصغيرة و المتوسطة منها  –اسوة بالمصارف – كلها صلوات و ادعية تلهج بها السنة الصناعيين علها تراها يوما ما موضع التنفيذ، فهل تتحقق احلام الصناعيين في العام 2011؟

No comments:

Post a Comment