Sunday 29 May 2011

ملاحظات اولية حول الورقة الاصلاحية المقدمة الى مؤتمر باريس –3 من قبل الحكومة اللبنانية.

مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر باريس -3 لدعم لبنان اقتصاديا، يظهر شبه اجماع لدى شريحة واسعة من الشعب اللبناني بان هذا المؤتمر يشكل الفرصة الاخيرة المتاحة لانتشال لبنان من المأزق الاقتصادي الذي يتخبط فيه منذ سنوات، نتيجة لتراكم مزمن لعجز الخزينة السنوي، خاصة و ان التأزم السياسي و الامني الذي نشهده منذ نهاية العام 2004، قد اطاح بجميع محاولات الحكومة المستمرة لتخفيض عجز الموازنة و الوصول الى فائض اولي، ترتكز عليه للخروج من هذه الحلقة الاقتصادية المفرغة. و ما كان لحرب تموز الاخيرة الا ان تغرق لبنان في مزيد من "الرمال المتحركة"  السياسية و الاقتصادية بحيث بات الخروج منها بحاجة الى معجزة اقتصادية، و اصبح من الثابت ان الاقتصاد اللبناني بمفرده عاجز عن تقديم الحلول الناجعة لهذه الازمة، و ان الدعم الخارجي، الدولي و العربي،  اصبح ضرورة ماسة، بل حاجة لا غنى عنها، لرسم " خريطة طريق" للخروج من الانهيار الاقتصادي المنتظر.
و تشكل الورقة الاصلاحية المقدمة الى مؤتمر باريس – 3 من قبل الحكومة اللبنانية بداية جيدة لتلمس الحلول المرجوة، كما ان اشراك الحكومة اللبنانية لكافة الهيئات المدنية و الاهلية - بما فيها الهيئات الاقتصادية المعني الاول في هذا الموضوع – كانت خطوة حكيمة و جيدة، و ان اتت متأخرة قليلا، لذا نورد فيما يلي بعض ملاحظاتنا على مضمون هذه الورقة، بشقيها الاجتماعي و الاقتصادي، ملاحظات اردناها بناءة و هادفة الى المساعدة على الخروج من هذا المأزق، آملين ان يدرك جميع الفرقاء المعنيين، سياسيين و اقتصاديين، موالين ام معارضين ان الجميع موجودين على مركب واحد، و ان الانهيار الاقتصادي اذا حصل لا سمح الله، لن يستثني احد من اللبنانيين.
الجانب الاجتماعي:
1-    بعد قراءة اولية للورقة الاصلاحية، يتكون انطباع عام عن وجود عناوين عريضة لمعالجة الشأن الاجتماعي و لكن مع مضامين عملية محدودة، و يتعزز هذا الانطباع بعد الاطلاع في بقية الورقة على المساعي و الاجراءات و الآليات الملحوظة لاحداث الاصلاح، كما ان الانفاق على القطاع الاجتماعي لا يظهر في هذه الورقة على نحو كمي و تفصيلي مما يؤثر على الحكم الايجابي عن النتائج المتوقعة.
2-    ترتكز ادارة الخطة الاصلاحية على لجنة تنسيق بين الوزارات و امانة عامة، و هذا ان افاد قطاعيا و مرحليا في المجال الخدماتي، الا انه محدود الاثر على صعيد التصميم من اجل الانماء.
3-    يبرز بشدة التساؤل حول المعايير التي ستعتمد و فاعلية المساعدات الاجتماعية و طرق و آليات ايصالها الى المحتاجين.
4-    ضرورة توافق جميع الاطراف المعنية – الدولة، و ارباب العمل و العمال – حول موضوع انظمة التقاعد و التقديمات الاجتماعية المقترحة.
5-    توحيد صناديق الخدمات الاجتماعية يعتبر عنصرا ايجابيا و المطلوب المزيد من الشفافية و التوضيح في هذا الخصوص.
الجانب الاقتصادي: 
1-  من بديهيات اي خطة اقتصادية تطمح الى السيطرة على تنامي الدين العام هي خلق الظروف الملائمة لتحقيق نسب نمو اقتصادية تفوق نسبة نمو الدين العام، و الملفت للنظر ان الورقة الاصلاحية تطمح في اقصى تمنياتها الى تحقيق نمو سنوي لا يتعد ال 6% في افضل الحالات، في حين وتيرة نمو الدين العام حاليا تفوق هذه النسبة، مما يعني ان دعم القطاعات الانتاجية ذات القيمة المضافة المرتفعة لا يدخل ضمن خطة اولوياتها. و اذ نستغرب النموذج الاقتصادي  Economical Model  التي اعتمدته الورقة الاصلاحية، حيث لا نقاش حول حقيقة ان قطاعي الصناعة و الزراعة هما من القطاعات الاعلى من حيث القيمة المضافة، و الاكثر توظيفا، و تتوافر لهم القدرة على خلق اكبر عدد ممكن من فرص العمل في حال تم توفير المناخ الملائم لنموهما المستدام.
من المهم جدا الاستفادة من التجارب الماضية، و التي تشير بالارقام الثابتة و التي لا تحمل شكا ان الاقتصاد اللبناني شهد تدفقات نقدية مهمة جدا في فترات متعددة خلال مرحلة ما بعد الاستقلال.
( 64-66،  74-75 و مرحلة ما بعد اتفاق الطائف حتى تاريخ اليوم)، و كانت قيمة نسبة الكتلة النقدية الى الناتج المحلي الصافي ( M2\NNP) تتعدى دائما 100% بينما كانت النسبة ذاتها في اهم الدول الصناعية و المتقدمة لا تتعد 70-80%. و بالرغم من ذلك، لم ينجح الاقتصاد اللبناني في افضل حالاته ان يحقق نسب للنمو تفوق ال 5% ( عام 1974 الذي يعتبر عام ذهبيا بحق للاقتصاد اللبناني بلغت نسبة النمو فيه 6.5%). في المقابل، نجحت دول اخرى، بالرغم من عدم استفادتها من ميزة السيولة النقدية المرتفعة المتوافرة للاقتصاد اللبناني، في تحقيق نسب نمو اكثر ارتفاعا و ثباتا و ديمومة فاقت في معظم الاحيان ال 10%، و السبب الاساسي ان هذه الدول، استفادت من الكتلة النقدية المتوافرة في المصارف و لدى المودعين لتمويل مشاريع انتاجية في قطاعي الصناعة و الزراعة حيث القيمة المضافة الصافية هي الاعلى بالمقارنة مع قطاع الخدمات التي اعتمد عليه الاقتصاد اللبناني بشكل اساسي لجعله محركا للنمو، فحجزت الكتلة النقدية اللبنانية في مضاربات و صفقات عقارية، و استأثر القطاع التجاري و السياحي بمعظم القروض و التسليفات، دون ان نتغاضى عن تأثير تمويل عجز الخزينة المستمر من قبل المصارف و الافراد مما ساعد في حجب السيولة اللازمة  Crowding out Effect لتمويل قطاعات اخرى اكثر استحقاقا.
2-     التدابير المتخذة لـ تحسين بيئة الاعمال  و خفض كلفة الانتاج هي بدون شك دون ما تطمح اليه الهيئات الاقتصادية و اصحاب الاعمال و القطاع الخاص في لبنان، حيث اصبح لبنان يحتل مراكز متقدمة جدا في الاحصائيات المتعلقة بارتفاع كلفة الانتاج، و الفساد و البيروقراطية المسشترية و التي قدرت احد الدراسات قيمة الهدر الناتج عنها بحوالي 350 مليون دولار اميركي سنويا. لا يمكن انكار بعض التجارب الايجابية في هذا الموضوع - كفالات و القروض المدعومة على سبيل المثال و التي ساهمت بشكل اساسي في تخفيض الكلفة المالية و التمويلية للكثير من المؤسسات- الا ان المطلوب لاعادة دفع العجلة الاقتصادية اكثر من ذلك بكثير. كما ان تأخير الاعلان عن "سلة الحوافز الضريبية التي طورتها وزارة المالية لدعم مؤسسات القطاع الخاص، و  اتاحة المجال للحصول على قروض متوسطة و طويلة الاجل بفوائد منخفضة، و الاجراءات التي ستعتمد لخفض تكلفة الانتاج و ترويج الصادرات اللبنانية " أدى الى تخوف القطاع اللبناني من عدم توافر النية لدعمه لمواجهة الاستحقاقات الاقتصادية المقبلة.
3-      من غير المقبول الموافقة على منطق الورقة الاصلاحية الذي يعتبر ان الزيادة المقترحة على الضريبة على الودائع ستصيب فقط اصحاب الدخل المرتفع، متناسين ان الزيادة المقترحة تعادل الـ 40% (5-7%) اذ يغفل عن واضعي الورقة الاصلاحية ان جزء غير قليل من هذه الودائع هي عبارة عن تعويضات نهاية خدمة او بقايا ميراث عائلي قديم تعتبر الفوائد المستحقة عليه الدخل الوحيد لبعض العائلات، و يغيب عن بال اصحاب الورقة ايضا ان الحكومة ستسعى ايضا الى تخفيض الفوائد على الودائع – و هو هدف جيد بحد ذاته – مما سيؤدي بالتالي الى القضاء على مصدر الدخل الوحيد للكثير من العائلات. و بالمقابل، الاوضاع الاقتصادية و السياسية المتردية لا تشجع اصحاب هذه الودائع على    تسييلها بهدف استثمارها في مشاريع خاصة ذات مردود اعلى، و لم تبادر الحكومة الى خلق ادوات اخرى لاستثمار هذه الودائع بطريقة افضل ، لذا نرى انه من الافضل صرف النظر عن هذه الضريبة و لو مؤقتا الى حين توافر ظروف اقتصادية اكثر ملائمة تجعل وقع هذه الضريبة اجتماعيا غير ملموس بشكل كبير.
4-      اما بخصوص زيادة النسب المقترحة على الضريبة على القيمة المضافة، اثبتت التجارب السابقة في لبنان و الكثير من الدول التي سبقتنا في تطبيق هذه الضريبة، نجاح هذه التجربة من حيث توفيرها مداخيل مهمة للخزينة، مع حد ادنى من التشوهات الاقتصادية التي تحصل عند فرض اي نوع من الضرائب الجديدة، و كونها ضريبة على الاستهلاك، مع توافر سلة جيدة من المنتجات المعفاة، تبقى الضريبة على القيمة المضافة عادلة نسبيا، و ذات عبء محدود على ذوي الدخل المنخفض في لبنان. الا انه نظرا للوضع الاقتصادي الحالي، و مع غياب القدرة لدى الشريحة الكبرى من اللبنانيين على تحمل اية ضرائب جديدة، نقترح على القيمين على هذه الورقة تعديل الاقتراح الموجود بزيادة 20% على النسبة الحالية (10-12%) في العام 2008، و ثم 40% (12-15%) في العام 2010، بحيث تطبق ابتداء من العام 2008 عدة نسب للضريبة على القيمة المضافة بحسب المنتجات التي قد تعتبر من الكماليات، كما هو معمول في عدة دول، مع زيادة سلة الاعفاءات او تخفيض النسب الموضوعة سابقا الى 5% للمنتجات الاستهلاكية الاساسية: فعلى سبيل المثال، يمكن تخفيض الضريبة على القيمة المضافة للمواد الاستهلاكية الى 5 %،  و رفعها حتى الـ 20% على منتجات اخرى مثل منتجات التبغ و التنباك، و المشروبات الروحية و الملابس و المجوهرات و السيارات الخ.... بحيث يكون العائد المتوقع مماثلا للمشوع السابق اذا لم يكن افضل، و بحيث تصيب الزيادة الضريبية بالفعل ذوي الدخل المرتفع، و يكون اثرها شبه معدوما على ذوي الدخل المحدود.
5- بالنسبة للزيادات المقترحة على اسعار المشتقات النفطية و التي تتماشى مع الاتفاع اسعار النفط حاليا، يبدو انه لا مفر من اجراء مماثل، و لكن هذا لا يمنع من التشديد على الحكومة لايجاد حلول جذرية و سريعة بالمقابل لموضوع النقل المشترك، كما يجب لفت النظر ايضا على الانعكاسات السلبية الكبيرة لمثل هذا القرار على العديد من القطاعات الصناعية  من شأنه القضاء على اية فرصة لديها بالبقاء و المنافسة.
6-    من الصعب عدم دعم فكرة تخصيص عدد من مؤسسات القطاع العام، خاصة تلك التي هي بامس الحاجة بان تدار بعقلية القطاع الخاص، لتوفير خسائر على الدولة لم يعد بمقدورها تحملها، بالاضافة الى ما يمكن ان تقدمه من سيولة نقدية ستساهم بشكل اساسي في اطفاء جزء من الدين العام، الا انه يجب التشديد على قيام تشريعات بالتلازم مع عملية التخصيص و حتى قبلها، تعطى للدولة صلاحيات كبيرة في مراقبة اعمال الشركات الجديدة التي ستنشأ لادارة هذه المرافق، و التحسب لعدم تحولها الى شركات احتكارية قد تزيد الاعباء على كاهل المواطنين بدلا من تخفيفها.
7-    اصلاح و ترشيق و زيادة انتاجية القطاع العام من الاولويات الملحة،  من المؤسف ان الدولة اللبنانية التي كانت من الدول المتقدمة في المنطقة على الاقل، قد تخلفت عن جيرانها بفوارق كبيرة في مجالات تسيير امور المواطنين، و سهولة سير المعاملات و تخفيف البيروقراطية (25 توقيع لاخراج مستوعب من المرفأ!!!!)، و تبقى الرشوة و الفساد الاداري احد الامراض المتفشية و المستعصية منذ الاستقلال، و الذي اصبح اثرها الاقتصادي محسوسا بشكل كبير.

No comments:

Post a Comment